من التلفيق إلى الإدانة… كيف تحولت تغطية الإعلام الغربي للحرب؟

غريب هو تحوّل بوصلة التغطية الإعلامية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لدى الإعلام الغربي، فمن زعم قتل حماس لأطفال ونساء إلى إيراد مقطع مصور يظهر خسارة أبٍ مهاجر لابنه من الشمال إلى الجنوب وهم يرفعون الأعلام البيض برصاص الجيش الإسرائيلي ضمن تقرير لقناة الـ CNN الأمريكية (على سبيل المثال لا الحصر) هناك الكثير من الأسئلة التي يجب أنه تطرح… والمزيد من الملاحظات التي يجب أن تدوَّن.
فبين الحياد والموضوعية في التغطية الإعلامية اختلاف كبير، تقع فيه أرباب المدارس الإعلامية الأجنبية التي طالما سوّقت لنفسها على أنها منشأ قواعد الأخلاقيات الإعلامية والنزاهة التحريرية على مر تلك السنوات قبل الحرب.
7 أكتوبر، لم يغير ملامح الحرب الفلسطينية – الإسرائيلية فقط، ولم يكتفِ بإسقاط أقنعة سياسية خدّاعة طالما خدّرت الشعوب (الغربية منها والعربية) بمصطلحات الديموقراطية والحرية و”قوانين الحماية الدولية” و”أخلاقيات الحرب” التي لم تتجاوز الحبر على ورق كتب القانون، تتشدق بها تلك الدول، بل خلط أوراق الإعلام باختلاف مواقعه ولهجاته وتوجهاته.
سقطة “رويترز” الشهيرة حينما ارتقى الصحفي اللبناني “عبد الله” العامل ضمن كوادرها بجنوب لبنان إثر استهدافه ومجموعة من الصحفيين بصاروخ من طيارة حربية إسرائيلية، حيث لم تكلّف الوكالة الإخبارية المذكورة آنفاً نفسها بأن تعترف به ضمن مصوريها، إن لم تجرؤ على الإدان مباشرة، كأقل تقدير… موقف آخر يركن الوكالة العالمية إلى جانب مثيلاتها.
قناة BBC ليست عن المشهد ببعيدة، فروايتها الناعمة الداعمة لحق إسرائيل الأصيل بالأرض بالتشارك مع الفلسطينيين وزعمها أن هجوم حماس التاريخي الشهر المنصرم، هو ضرورة دعائية ترجمت على هيئة حرب لزيادة شعبيتها لدى الحاضنة الفلسطينية، إضافة إلى تبنيها رواية مموليها الحكوميين بتصنيف حماس كـ “حركة إرهابية”، تكفي العامّي الشغوف بالمتابعة الإخبارية بالحكم على الغرفة التي ترسم نهجها التحريري بالانحياز.
إلّا أن وسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت سلسلة احتكار تلك القنوات العالمية رواية الأخبار، وشكّلت رأياً عاماً تُرجم على هيئة تظاهرات واحتجاجات عمّت البلاد فضحت زيف التوجيه الواهن لعقول وعيون الغربيين المتابعين لسياق الأحداث المتتابعة.
فراحت CNN – وبكل موضوعية ولو متأخرة – تضمّن تقريرها الصادر من سويعات تجاوزات الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الأبرياء الممتلثين لنصائحه بالهجرة إلى الجنوب بحثاً عن الأمان بحق شابٍ قتل قنصاً بين يدي والده، لتتبعها رويترز بالإشارة ضمن مقالها اليوم بأن “بعض القتلى في غارة جوية على خان يونس، لا علاقة لهم بحماس” كتقويم يجبر اعوجاج الخط التحريري الذي بدأت تغطيتها للحرب به.
كما ارتأت BBC أن تدين الجيش الإسرائيلي – المثقل بالخسائر التي يعلنها بالتقسيط في محاولة لترميم ما تبقى من صورته المختلّة – باستخدامه قنابل الفوسفور الأبيض المحرم دولياً واقتحامه مجمع الشفاء الطبي…
حتى رويترز، عادت تعيد الأمور إلى نصابها الواقعي، ويذكر لرئيسة تحريرها أنها كسرت صمت الوكالة المريب حينها وقالت أنها تريد الحقيقة بمقتل الصحفي المصور لديها “عبد الله”.
عموماً، ترصّد الزلل الإعلامي الغربي، دسِم يتطلب تفرغاً من أجل التنقيب في محتوى المقالات والنشرات والتقارير الغربية التي نبعت منذ أكثر من 45 يوماً … وفيما تم رصده منفعة كافية للمنذهلين بالنزاهة والموضوعية الإعلامية الأجنبية بأنه “ليس كل ما يلمع ذهباً”.
فاروق عكاري – الموقع 360.